Nature

مقال: تجربة التعليم عن البعد في جائحة كورونا بين النجاعة وإكراهات التطبيق.

0

الدكتور لأفضل النوف، دكتوراه في القانون العام.

تجربة التعليم عن البعد في جائحة كورونا بين النجاعة وإكراهات التطبيق – المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة نموذجا –


يحاول هذا المقال البحث في إمكانيات تطبيق طرق التعليم عن بعد بالمغرب التي و إن كانت الكثير من الدول النامية أو السائرة في طريق النمو قد قطعت فيها أشواطا مهمة فإن المغرب دخل التجربة شبه مرغم بعد جائحة كورونا التي كان من نتائجها إغلاق مؤقت للمؤسسات التعليمية و ظهور الحاجة لبديل . فكيف يمكن وصف التجربة المغربية في التعلم عن بعد ؟ و ما درجة الإستعداد التي عبرت عنه المؤسسات التعليمية ؟ و ما مدى الرضا الذي عبر عنه الطلبة بإعتبارهم المستهدف من التجربة و هدفها ؟


كل هذا على ضوء الرؤية الجديدة لتطوير التعليم العالي التي تضمنها النموذج التنموي الجديد للمملكة في شقها المتعلق بالتعليم العالي ، التي تبلورت  أولى ملامحها سنة 2017 بمبادرة ملكية تم بموجبها تعيين لجنة خاصة كلفت بإعداد تقرير مفصل بشأن مشروع النموذج التنموي الجديد، سنة 2019، و التي عهد برئاستها للسيد شكيب بنموسى (وزير التربية الوطنية و التعليم الأولي و الرياضة الحالي) و تكونت من 35 عضوا من بينهم أكاديميين و متخصصين من مجالات مختلفة ، و كان من أهم توصياتها ضرورة “القيــام بتحديــث فعلــي لمؤسســات التعليــم العالــي العموميــة والخاصــة، والعمل على الرفع من حسن أدائها، بالإضافــة إلــى التثميــن القــوي لشعب التكوين المهني ولطــرق التعلــم الهجيــن وبالتنــاوب، وذلــك بهــدف تمكيــن الشــباب المغاربــة مــن ســبل امتــلاك الكفــاءات العاليــة وتحســين آفــاق اندماجهــم فــي ســوق الشــغل”. أيضا و في نفس السياق دعت اللجنة إلى جعــل الطالــب فــي صلــب إصلاحــات وإجــراءات تحســين أداء التعليــم العالــي والمهنــي خاصة على مستوى التعليم الرقمي وذلك –كما يقول التقرير- ” باعتمــاد طــرق بيداغوجيــة جديــدة يتــم التركيــز فيهــا علــى تقويــة كفــاءات الطلبــة العلميــة والتقنيــة. مع وجوب اعتمــاد الرقميــات فــي إعمــال هــذا التحــول، إذ أن جدواهــا وفعاليتهــا فــي التعليــم والتكويــن لا تحتاجــان إلــى دليل، ذلك أن أزمة كوفيد -19 أكدت وسرعت بإدراك هذه الحقيقة.مؤكدة أن مــن شــأن اســتعمال الرقميــات أن يُغيــر بعمــق النمــوذج الاقتصــادي المتعلــق بالتعليــم العالــي، الــذي يتيــح تقديــم برامــج تكويــن عــن بعــد تتــوج بشــهادات لأكبــر عــدد مــن الطلبــة وبأقــل تكلفــة. عـلاوة علــى ذلــك، يجــب أن يدمــج إتقــان أساســيات الرقميــات فــي جميــع شــعب التكويــن ابتــداء مــن الســلك الأول مــن التعليــم العالــي، وأن يكــون الولــوج إلــى التجهيــزات والشــبكات الرقميــة متاحــا لــكل الطلبــة”.


وعليه سنحاول التركيز على هذه المقاربة التي تضع الطالب كهدف و الرقمنة كوسيلة، وذلك من خلال تقييم التجربة على مستوى المعاهد العليا للمهن التمريضية و تقنيات الصحة كنموذج، و البحث في مدى نجاحها و إمكانيات الإعتماد عليها مستقبلا في مواجهة العديد من المتغيرات والتحديات التي يتطلبها تقدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهو ما يفرض عليها محاولة مواكبة هذه السيرورة عبر تطوير خدماتها من خلال اعتماد طرق تدريس جديدة، فقد أصبحت التكنولوجيا موجودة في كل مكان في حياة طلاب اليوم ولم يعد بإمكان مؤسسات التدريب في مجال التمريض المتجدد تجاهل هذه الحقيقة و عدم التكيف معها والتركيز بشكل جدي على تحديد النموذج الصحيح لدمج التكنولوجيا في التدريس والتعلم.


و إذا كان الطلاب هم هدف أي منظومة تعليمية متطورة. فهذا يُلزم مؤسسات التعليم العالي بتقييم مستوى رضا الطلاب من أجل الحصول على معلومات حول الاحتياجات المتغيرة والتفضيلات والتوقعات. تم إيلاء الاهتمام ليس فقط لتحديد متطلباتهم وتوقعاتهم ، ولكن أيضًا لفهمها.

التعلم عن بعد في المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة في المغرب و رضا الطلاب عن الخدمات التعليمية.


وكتوطئة لابد من الرجوع إلى التطور الذي عرفته معاهد التمريض بالمغرب.

فقد شهد تدريب العاملين في التمريض في النظام الصحي المغربي تطورا كبيرا ، حيث انتقل من نظام التدريب المهني إلى التدريب التقني التنفيذي إلى مستوى التعليم العالي حيث توج نظام التدريب في وزارة الصحة في عام 2013 بإنشاء المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة (ISPITS) تحت وضع مؤسسة التعليم العالي غير التابعة للجامعات. بعدها سيتم اعتماد نظام (LMD) أو (نظام إجازة – ماجستير – دكتوراه) الذي لاشك جاء متنوعا للغاية و متميزا بتعدد الدورات و المواد والتقييمات، كل ذلك من خلال إعتماد نظام التدريس والتأطير المباشر. إلا أن الأزمة الصحية التي سببها فيروس كوفيد19، و القرار المتخذ بالإغلاق المؤقت دفع المعاهد العليا للمهن التمريضية و تقنيات الصحة إلى محاولة مجاراة هذا الواقع الصعب لضمان الاستمرارية التعليمية ، و للقيام بذلك تم استبدال الدورات التدريبية وجهًا لوجه بالتعليم عن بعد بما يسمح للمعلمين بالبقاء على اتصال مباشر مع طلابهم وتحديد برمجة للدروس النظرية و التطبيقية عن بعد من خلال حلول مثل المنصات الرقمية التي تسمح بتوفير مادة تدريسية مسجلة أو عبر مؤتمرات الفيديو من خلال تطبيقات مثل زووم و غيرها ، و أحيانا عبر الإستعانة بوسائل التواصل الإجتماعي مثل الايمايل و الواتساب و الفيسبوك ، وما إلى ذلك.


إلا أن الملاحظ أن الوسائل التي تم اللجوء إليها كان ينقصها التخصص و الفعالية على مستوى السهولة و الأمان المعلوماتي و هو ما أظهر أن لا إدارة المعهد ولا الأساتذة والطلاب كانوا مستعدين بشكل كاف لخوض التجربة. وظهر ذلك جليا من خلال صعوبة تنزيل تلك الحلول ، و ظهور إكراهات من قبيل إنعدام الخصوصية و الأمن خاصة عند إعتمادها في مرحلة الإمتحانات و التقييمات النهائية. هذا دون أن نغفل في المقابل الإكراهات ذات الطابع السوسيوإقتصادي و الإجتماعي للطلبة و أسرهم بل وحتى للأساتذة أنفسهم في بعض الأحيان. بحيث يمكن القول أن التجربة كانت محكومة بمجموعة من الإكراهات و التحديات و التي من أبرزها :

  • عدم توفر المعاهد على الوسائل اللوجيستكية و البشرية الكافية لمواكبة التجربة.
  • التخبط و الإرتباك الذي عرفته العمليات التدريسية بسبب تنوع الوسائل التقنية المعتمدة في كل معهد بسبب التفوت في الإمكانيات و عدم وحدة النظام المعتمد.
  • المستوى الاقتصادي و الإجتماعي للطلبة الذي يعتمد غالبيتهم على الأسر لتمويل دراستهم و تغطية تكلفة مواكبة الدورات عن بعد و التي تعرف تفاوتات كبيرة في المستوى المعيشي . حيث ذكر تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي  أن نسبة الأسر المغربية التي لا تتوفر على وسيلة للولوج إلى شبكة الأنترنيت، تناهز في نهاية سنة 2018 حوالي 26 بالمائة، ضمنها 43 بالمائة تقطن بالوسط القروي.
    صعوبة التأقلم الذي أبداه الطلبة عموما و ذلك بحكم التعود على التواصل المباشر مع الأساتذة، بإعتبار أن وجود المعلم مفيدًا أثناء الدورات عن بعد و بعبارة أخرى يبدي الطلبة عدم استعداد للإستيعاب في حالة عدم وجود المعلم.
  • عدم الوعي الكافي بالميزات التي يمنحها نظام التعليم عن بعد و تفضيل الطريقة التقليدية في التعلم و عدم وجود إجابات قد تبرر هذا الاختيار و بالتالي فالأغلبية غير مهتمين بنظام التعلم عبر الإنترنت رغم أن معظمهم على دراية بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
  • صعوبة توفير متطلبات أنظمة التعليم عن بعد التي فضلها طلاب ISPITS و التي كانت الأكثر جاذبية لتلبية احتياجاتهم كالتسجيلات الصوتية و المرئية والأنشطة التعاونية و غيرها، بمعنى أن فرصة الطالب في الإختيار تبقى محدودة.
  • تفضيل الطلبة استخدام واجهة نظام تعلم عن بعد سهلة وهو أمر يمكن تفسيره من قبل الطلاب الذين يولون أهمية أقل لشكل وبيئة عمل النظام في مقابل الجوهر والمحتوى الذي من المفروض أن يشكل أولوية.


إن محاولة تقييم نتائج تجربة التعليم عن بعد المطبقة في فترة الكوفيد19 لا شك تحتاج إلى كثير دراسة من مختلف الجوانب ، لكن يبقى فهم متطلبات الطلاب بشكل أفضل في التعليم عن بعد مدخلا مهما تجعل رضا الطالب نفسه عن أنظمة التعليم عن بعدا مهم جدًا لصانع القرار في هذا المجال. فمن أهم سمات الجودة المعتمدة لتقييم أي خدمة نجد :

جودة الأنظمة ، وجودة الخدمة ، وجودة المعلومات ، والاستخدام ، ورضا المستخدم ، والنتائج المستخلصة.والتي يتم تعريفها على أنها معايير نجاح يجب على المؤسسات التعليمية وصانعي السياسات مراعاتها لمساعدتهم على تحسين نماذج التعلم الرقمية القائمة وتصميم نماذج تعلم جديدة أكثر جاذبية.


في الواقع ، تؤثر بعض الميزات بشكل أساسي على تحسين التجاوب مع هذه التجربة ، بينما يساعد البعض الآخر في التسبب في عدم الرضا. لذلك فإن تقييم مستوى تفاعل الطلاب يسمح لصانعي القرار بالتركيز على تطوير الخصائص الفعالة للخدمة التعليمية. كما يساهم هذا النهج في إدارة أكثر فعالية لموارد معاهد الصحة، والتي يمكن تحسينها حتى تكون متاحة في أي وقت لتلبية احتياجات الطلبة على أفضل وجه.


و عموما فإذا كانت تجربة التعليم عن بعد قد ولدت شعورا عاما بأهمية تكنولوجيا الإعلام والاتصال في التعليم و كشفت عن واقع تكوين المدرسين والمتعلمين في إنتاج الموارد الرقمية والتعامل معها و أعطت فرصة للتأسيس لتجربة أكثر نجاعة ، فإنها و على الجانب الآخر تحتاج إلى إجراء تقييم يمر عبر تصنيف إيجابياته المختلفة و إكراهاته المتوقعة ، وعليه يمكن لصانعي القرار و المشرفين على منظومة التعليم عن بعد أن يراعوا مثل هذه الملاحظات مركزين على احتياجات الطلاب للتعليم عن بعد وتقديم خدمة ملائمة لاحتياجاتهم في مراحل تدريبهم، تراعي خصوصية تخصصهم و تساعد في معالجة الصعوبات التي مازالت تعانيها خاصة بروز مشكل الإكتظاظ الذي بدأت تعرفه المعاهد العليا للمهن التمريضية و تقنيات الصحة بعد إقرار ورش تعميم التغطية الصحية الإجتماعية ظهور الحاجة لتكوين أعداد أكبر من الممرضين.


و من المقترحات التي يمكن تقديمها:

  • ايجاد بنية تحتية كافية و متطورة تغطي برامج و مخططات التعليم عن بعد المبرمجة، و إيلاء هذه المسألة الأهمية الكافية عند تسطير الميزانيات.
  • العمل على توفير تكوين كاف للأساتذة على الخصوص فلا يعقل أن يفتقر المعلم أو الموجه للتكوين التقني الكافي لإيصال المعلومة عن بعد.
  • تضمين دفاتر الضوابط البيداغوجية الجديدة لمواد تقنية تطور المهارات التقنية و المعلوماتية للطلبة خاصة مع إعتماد النظام المعلوماتي الصحي المندمج.
  • التركيز على تقييم مدى رضا الطلاب عن خدمة التعليم عن بعد كعنصر مهم و أساسي في المنظومة وذلك من خلال إجراء دراسات و استطلاعات تنكب على هذا المعطى المحوري.
  • الوصول اللوجيستيكي المتاح للنظام في جميع الأوقات و توفير واجهة سهلة الاستخدام مع الاستقرار الفني وموثوقية في النظام مع إعطاء فرص التقييم الذاتي للطالب .
Leave A Reply

Your email address will not be published.