المؤتمر الثامن عشر لحزب الإستقلال، خروج الميزان من شرنقة ولد الرشيد.
الداخلة أنسوليت – محمد العبيدي
تابع المغاربة جميعا تفاصيل المؤتمر الوطني لحزب الاستقلال، كما لم يفعلوا مع غيره، وذلك للأسباب متعددة، لعل أبرزها، مكانة الحزب في تاريخ المغرب الحديث، وقوته الإنتخابية، وحضوره الدائم في جميع محطات المغرب الحديث، بالرغم من تراجع إسهاماته خلال الفترة الأخيرة، الا أن المؤتمر 18 كان محطة يعول عليها كثيرا لخروج حزب علال الفاسي من عنق الزجاجة التي وُضع فيها قسرا في مضمار معارك كسر العظام بين أجنحته.
وكانت محطة رئاسة المؤتمر مؤشر واضح على نهاية لازمة التوافق التي تغنى بها الكثيرون، وسقطت في أول اختبار مع بداية المؤتمر، وانتخاب قيادة ثلاثية لإدارة شؤون المؤتمر، كانت إشارة واضحة على ما سيأتي بعدها، والحق أن التوافق إقتصر فقط على إختيار الأمين العام، أما باقي التفاصيل، كانت محط جدال كبير، وكما يقال الشيطان دائما يسكن في التفاصيل.
ينجا الخطاط، الورقة الرابحة في المؤتمر 18، انتصر في معركته ضد ولد الرشيد، ورفع عن تنظيم حزب الاستقلال في جهة الداخلة وصاية آل الرشيد، وهو الانتصار في شكل معركة، كسرت يقينيات آمن بها الاستقلاليون، خاصة في علاقتها بقوة ولد الرشيد، الذي لم يجد بدى في استرجاع قوته التنظيمية سوى التحالف مع أنصار شباط السابقين بقيادة لكحيل، الذي برز في محطة المؤتمر 18 بشكل لافت، وبدأ ذلك مع قضية رفيعة المنصوري ونور الدين مضيان، حينما شد الرحال هذا الأخير رفقة الكحيل الى العيون، للإجتماع مع ولد الرشيد وإنقاذ رأس مضيان من فضيحة مذوية، زلزلت حزب علال الفاسي خلال شهر رمضان الاخير.
ينجا الخطاط الذي بات واضحا أنه كسب معركته، ضد ولد الرشيد، وهو الانتصار الذي وصلت أصدائه الى غاية مدينة الداخلة، حيث خرج أنصارن يحتفلون بهذا النجاح القادم من بوزنيقة، في خضم معركة الاصطفافات، كان رجل آخر في حزب الإستقلال، يطهو على نار هادئة ضربة أخرى موجعة، سيتلقاها ولد الرشيد.
عبد الصمد قيوح القوة الناعمة في حزب الاستقلال، استثمر تصدعات حلف ولد الرشيد لمصلحته، وثأر لرفض هذا الأخير ترؤس ولد الحاج علي قيوح المؤتمر 18 لحزب الميزان، وبذلك يكون عبد الصمد قيوح الدينامو الجديد لحزب الاستقلال، ورغم أن ولد الرشيد سارع الى إعادة تدوير بقايا شباط الى أنه لم يقوى على فرض إملاءاته على القادة الجدد لحزب الميزان.
رغم أن ولد الرشيد اجتمع طويلا مع نزار بركة على هامش المؤتمر في ذلك البيت الصغير المحادي لمنصة المؤتمر ليلة السبت الأحد، لتداول في أسماء اعضاء اللجنة التنفيدية، وكان من تعابير وجهه تظهر عليه، علامات الإنشاء إيذانا باستمرارية قوته ، غير أن قيوح وأنصاره كان لهم رأي آخر، وتم رفض اللجنة التنفيذية التي فرضها ولد الرشيد، ووضعها نزار في ورقة في جيبه، وبقيت طي الكتمان، وتم تأجيل انتخاب اللجنة التنفيذية الى وقت لاحق.
قد يبدو أنني تحدث عن الأشخاص أكثر مما تحدث عن الأفكار والأطروحات السياسية، والحق يقال حزب الاستقلال، منذ المؤتمر 17 دخل نفقا مظلما، حيث بات لعبة في أيادي ولد الرشيد وعشيرته، بل وحديقته الخلفية، يعيث فيها كما يشاء، وكان لزاما أن تظهر تيارات أخرى، لإعادة حزب الاستقلال الى السكة الصحيحة، حيث كان له صوت مسموع داخل قبة البرلمان وخارجه، وكانت أصداء معارك المجتمع تحتل نقاشات مهمة داخل تنظيماته وهياكله.
لكن الاستقلاليين اكتشفوا متأخرين أنهم في معركة هدم صنم شباط، شيدوا على أنقاضه صنما جديدا، فكان لزاما أن يهدموه، وكما يقال من يصنع الأصنام لا يعبدها.