رسائل أمريكا الصريحة والواضحة لأوروبا بشأن قضية الصحراء
الصحراء أنسوليت
بقلم: اسماعيل الحلوتي
في الوقت الذي مازال فيه النظام العسكري الجزائري الحاقد متماديا في تعنته ومعاكسة المغرب، رغبة منه في السطو على الصحراء المغربية وخلق واجهة بحرية أطلسية لعزله عن عمقه الإفريقي، مسخرا لذلك كل الإمكانيات والوسائل المتاحة. حيث سارع الرئيس عبد المجيد تبون إلى استغلال موعد انتخاب أمين عام جديد لجبهة البوليساريو الانفصالية الذي تقرر إجراؤه يوم الجمعة 20 يناير 2023، ليعقد اجتماعا مع الولاة يوم الخميس 19 يناير 2023 ويؤكد علانية دعم جمهورية الوهم، حيث قال بإصرار: “لن نتخلى عن الصحراء الغربية مهما كان الثمن”.
وإضافة إلى هذا التصريح الفج، يشار كذلك إلى أن السلطات الجزائرية سبق لها حرمان المنتخب الوطني المغربي للمحليين من المشاركة في النسخة السابعة من بطولة كأس إفريقيا للاعبين المحليين “الشان”، التي حظيت الجزائر بتنظيمها ما بين 13 يناير و4 فبراير 2023، وذلك عبر رفضها فتح المجال الجوي بصفة استثنائية أمام طائرة المنتخب المغربي الناقل الرسمي للمنتخبات الوطنية الرياضة. ثم استقدامها في حفل الافتتاح المرتزق “شيف زوليفوليل”، وهو أحد أحفاد رئيس جنوب إفريقيا المناضل الراحل “نيلسون مانديلا”، الذي أعطيت له الكلمة، ليقول بكل صفاقة أمام جمهور “رياضي” واسع اختير بدقة لمهاجمة الشعب المغربي: “…دعونا لا ننسى آخر مستعمرة في إفريقيا، الصحراء الغربية، دعونا نقاتل من أجل تحريرها من الاضطهاد”.
وفي خضم الحملة الإعلامية المسعورة ضد المغرب والهجمة الشرسة التي قام بها البرلمان الأوروبي تجاهه، من خلال إصدار قرار استفزازي يوم الخميس 19 يناير 2023 الذي جاء متزامنا مع تصريح الرئيس الجزائري الرافض لتخلي بلاده عن “الصحراء الغربية”، ليدين الأوضاع الحقوقية في المغرب، ولاسيما ما يتعلق منها بملف الصحافيين المعتقلين، وينتقد بشدة ما اعتبره تدهورا في حرية الصحافة وعدم احترام السلطات المغربية حرية التعبير والإعلام” يا سلام! وهو قرار جائر ولا يهدف في واقع الأمر سوى إلى محاولة ابتزاز المغرب والتضييق على سيادته والتدخل الأهوج في شؤونه الداخلية…
وفي ظل التوتر المتصاعد بين المغرب والبرلمان الأوروبي بسبب هذا القرار “المخدوم” من قبل بعض الجهات الناقمة المعادية لمصالح المغرب، وما ترتب عنه من ردود فعل غاضبة من لدن المواطنين المغاربة والهيئات السياسية والمجلس الأعلى للسلطة القضائية والبرلمان المغربي وغيره، بعثت الولايات المتحدة الأمريكية برسالة صريحة وواضحة لأوروبا وكل من يهمه الأمر، للتعبير عن ثقتها في المغرب الصديق التقليدي الذي أصبح يشكل رقما كبيرا في الخريطة الجيوسياسية، وذلك من خلال زيارة مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون المنظمات الدولية “ميشيل سيسون” للمغرب يوم الأربعاء 25 يناير 2023 التي أعلنت عقب إجرائها محادثات مع “ناصر بوريطة” وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج خلال ندوة صحافية، عن تجديد بلادها دعم المقترح المغربي حول النزاع المفتعل في الصحراء المغربية، إذ صرحت بالقول: “إن الولايات المتحدة ماتزال تعتبر مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب حلا جادا وواقعيا وذا مصداقية، ويؤدي إلى حل مشرف ومستدام للنزاع حول الصحراء، ويحظى بدعم المجتمع الدولي”.
فطالما راهن المغرب على الاعتراف الأمريكي بسيادته الكاملة على أراضيه الجنوبية، إن على المستوى الدبلوماسي أو المستوى السياسي، لتشعب علاقات واشنطن الخارجية، وتأثيرها في مواقف الكثير من دول العالم. وفي هذا الإطار لم تفوت ذات المسؤولة الأمريكية الفرصة دون الإشادة بالدور الريادي الذي يلعبه الملك محمد السادس في دعم السلام والأمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحول العالم، مرحبة بمساهمات المغرب في بعثات حفظ السلام الأممية عبر العالم. كما أوضحت بأن اللقاء الذي جمعها برئيس الدبلوماسية المغربية، كان مناسبة لمناقشة انتخاب المغرب الأخير في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فكيف للبرلمان الأوروبي أن يطعن في مصداقية بلد بكل هذه المواصفات ويدعي ظلما وبهتانا عدم احترامه لحقوق الإنسان؟.
وليس هذا وحسب، بل إنه وفي سياق هذه الظرفية الحساسة التي تعيش على وقعها المنطقة، جاء تسريب فقرات من التقرير الأمريكي الذي أعد من لدن مركز “بروكينغ للسياسة الخارجية الأمريكية” حول قضية الصحراء المغربية تحت عنوان “أمريكا ملزمة بإنهاء ملف الصحراء لصالح المملكة الشريفة في مجلس الأمن الدولي”. وهو التسريب الذي نزل كالصاعقة الحارقة على رؤوس الكابرانات وصنيعتهم جبهة البوليساريو الانفصالية، واعتبره عدد من المهتمين بالشأن السياسي أمرا مقصودا من لدن أجهزة دول حليفة للمغرب، ساءها موقف بعض الجهات المعادية للمصالح الاستراتيجية المغربية من داخل البرلمان الأوروبي وخارجه…
إنه من الوهم الاعتقاد بأن استفزازا من هنا أو ابتزازا من هناك قادران على زعزعة استقرار المغرب وتعطيل مسيرته التنموية، الذي صار قويا بمؤسساته وطاقات وكفاءات أبنائه، الذين يعملون من أجل تقدمه وازدهاره والدفاع عن وحدته الترابية. وبات لزاما على بعض دول أوروبا التخلص من ذلك الإرث الاستعماري وتلك النظرة الاستعلائية، والابتعاد عن التدخل في شأنه الداخلي. ويكفي هنا استحضار مضامين الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 68 لثورة الملك والشعب الذي جاء فيه أن “أعداء الوحدة الترابية للملكة ينطلقون من عدد من المواقف الجاهزة والمتجاوزة، ولا يريدون أن يبقى المغرب حرا، قويا ومؤثرا، كما لا يريدون أن يفهموا أن دولنا اليوم، وفي مقدمتها المغرب، قادرة على تدبير أمورها، واستثمار مواردها وطاقاتها لصالح شعوبها”.